فصل: مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما حلف أبو بكر رضي اللّه عنه بان لا ينفق على مسطح لا شتراكه بالإفك أنزل اللّه جل شأنه الحكم الثامن والتاسع من الآيات البينات بقوله جل قوله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} من الاليّة وهو القسم أي لا يحلف، والمراد بالضمير على ما أجمع عليه المفسرون أبو بكر رضي اللّه عنه، ولا يمنع خصوصها فيه عمومها في غيره، لأن العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الّذين منهم مسطح المذكور ابن خالته، وهو مسكين مهاجر {وَلْيَعْفُوا} عمّا صدر منهم {وَلْيَصْفَحُوا} عما بدر منهم من السّوء {أَلا تُحِبُّونَ} أيها المؤمنون {أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} بمقابل ما تغفرون بعضكم لبعض {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (22) لمن يجرؤ عليه وينسب له الشّريك والولد والصّاحبة وينكر وعده ويكذب رسله ويجحد كتابه إذا تاب وأناب، ألا فتخلقوا بأخلاق ربكم وليرحم بعضكم بعضا ابتغاء وجه اللّه وطلبا لمرضاته وطمعا في ثوابه.
قال أكثر المفسرين إن المراد بهذه الآية أيضا أبو بكر رضي اللّه عنه والخطاب له خاصة، وإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قرأها عليه فقال بلى واللّه أحب مغفرة اللّه، وارجع نفقة مسطح التي كنت أنفقها عليه ولا أنزعها عنه أبدا.
وهذه الآية في فضل أبي بكر على غيره بعد محمد صلّى اللّه عليه وسلم، لأن اللّه تعالى ذكرها في معرض المدح وفي لفظ الجمع مما يدل على علو شأنه عند ربه، ويدخل في عمومها كلّ من حذا حذوه.
ومن هنا أخذ الحكم الشّرعي وهو من حلف على يمين ورأى خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه بنص هذه الآية.
وقد جاءت أحاديث الرّسول بمثلها كما قدمناه في الآية 222 من البقرة المارة.
والحكم العاشر هو قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ} عن الفاحشة العفيفات عن قربانها نقيات القلوب من كل سوء، الطاهرات من كلّ عيب، كعائشة رضي اللّه عنها {الْمُؤْمِناتِ} بكل ما جاء عن اللّه المصدقات لرسوله وكتابه بعد نزول هذه الآيات المبرئات للسيدة عائشة مما رميت به {لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} (23) فيها أيضا، وهذا المعنى الكبير الغليظ خاص بمن يرمي السّيدة عائشة بعد إعلان نزاهتها من اللّه تعالى حقا وجمع الضّمير باعتبار أن رميها رمي لسائر أمهات المؤمنين ويدل على التخصيص قوله تعالى {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} بما أشاروا فيها {وَأَرْجُلُهُمْ} على المشي بها لبعضهم المتفوه بالإفك جزاء {بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} (24) من القبيح، لأنه رمي أي قذف يستوجب العقوبة سواء أكان بالكلام أم بالإشارة.

.مطلب في كفر من يقذف السّيدة عائشة بعد بيان هذه الأحكام العشرة المبينة بالآيات في أول السّورة إلى هنا وقصة الإفك:

ومما يدل على تخصيص هذه الآيات بالسيدة عائشة لأن رميها بما بهت عليها كفر ورمي سائر النّساء من غير أمهات المؤمنين لا يعد كفرا، وإن رميها رضي اللّه عنها بعد نزول هذه الآيات كفر بلا خلاق، لأنه جحد لكلام اللّه، أما قبل نزولها فلا يعد كفرا بل يستحق الحد الشّرعي المار ذكره أول السّورة، ولأن رميها بعد النّزول يعد استباحة بقصد الطّعن بحضرة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلم، مثل الخبيث عبد اللّه بن سلول الممعن في عداوة حضرة الرّسول، إذ كان مصرا على رمي السّيدة عائشة قبل نزول الآيات وبعدها، قاتله اللّه ولهذا لم يوفقه اللّه للتوبة ولا للإيمان ومات على نفاقه وإصراره، أما حسان ومسطح وحمنه فإنهم لم يستبيحوا ذلك ولم يقصدوا الطّعن بحضرة الرّسول، ولهذا وفقوا للتوبة والقبول، والأعمال بالنيات قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} وينالهم جزاؤهم بالعدل {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (25) إذ ترتفع الشّكوك في ذلك اليوم، ويحصل العلم الضّروري لكل أحد بما أخبرت به الرّسل، هذا وإن اللّه تعالى لم يغلظ في القرآن شيئا من المعاصي تغليظه في رمي السّيدة عائشة، وفأوجز وأشبع، وفصل وأجمل، وأكد وكرر، وما ذلك إلّا لعلو منزلة بعلها صلّى اللّه عليه وسلم، والتنبيه بفضلها وكرامة أبيها، وقد برأها في هذه الآيات العظام.
ثم بين تعالى استحالة وقوع هذه القرية على السّيدة عائشة على الظّنون والأفكار، وتنويها بطهارتها وطيب عنصرها بقوله عز قوله: {الْخَبِيثاتُ} من النّساء {لِلْخَبِيثِينَ} من الرجال {وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ} لأن المجانسة من دواعي الانضمام والطّيور تقع على أشباهها {وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ} ولما كان حضرة الرّسول أطيب الطّيبين وأطهر الطّاهرين اختار له السّيدة عائشة من أطيب الطيبات وأزكى الزاكيات، وقد أظهر أن ما نسب إليها اختلاق باطل وزور محض وإفك مفترى وخرافة تافهة، ولذلك برأها اللّه تعالى بآيات بينات تنويها بعلو شأن بعلها وأبيها ونفسها مع أنه جل ذكره برأ السّيد يوسف عليه السّلام بشاهد من أهل زليخا وبرأ موسى عليه السّلام باعتراف الباغية وبرأ مريم عليها السّلام بانطاق ابنها فكانت براءة عائشة أعظم للأسباب المارة {أُولئِكَ} إشارة إلى السّيدة عائشة وصفوان فقط والجمع يطلق على الاثنين فصاعدا كما نوهنا به في الآية 45 من سورة النمل ج 1 والآية 78 من سورة الأنبياء ج 2 وسيأتي نحوه في الآية 19 من سورة الحج {مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ} الأفاكون الخبثاء وأولئك {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (26) في الآخرة، وهذا الحكم الحادي عشر وهو آخر ما نزل في السّيدة عائشة رضي اللّه عنها وعن أبيها، وهي تلك الدّرة المصونة التي قبض حضرة فالرسول في حجرها، ودفن في بيتها، وكان ينزل الوحي في فراشها دون سائر نسائه، ولم يتزوج بكرا غيرها، وقد نوه حضرة الرّسول بفضلها، وأنزل اللّه الآيات بطهارتها وطيبها، فهل بعد هذا من فضل وكرامة.
واعلم أن تفسير {لا يَأْتَلِ} بصدر الآية 22 المارة كان جريا على ما قاله بعض المفسرين وهو لا يستقيم إلّا إذا قدر لا على فعل {يُؤْتُوا} المفيد للمنع من الحلف على الإعطاء، والمراد بالآية- واللّه أعلم- المنع من الحلف على ترك الإعطاء كما هو المفهوم من الآية، فيكون قد وضع النّفي مكان الإيجاب، ويجعل المنهي عنه مأمورا به وهو غير مراد، والأحسن الأولى بل الأصح الأعدل أن يؤوّل فعل {لا يَأْتَلِ} بفعل لا يقصر بالإحسان إذ يجوز لغة أن تقول افتعلت مكان فعلت لا العكس راجع الآية 22 من سورة البقرة في بحث حذف لا ولبحثها صلة في الآية 93 من سورة المائدة الآتية.
وخلاصة قصة الإفك على ما ورد في الصحيحين أنه صلّى اللّه عليه وسلم خرج إلى غزوة بن المصطلق في هذه السّنة السّابعة من الهجرة وكانت عادته إذا سافر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها أخذها معه، ولذلك فإنه استصحب السّيدة عائشة رضي اللّه عنها فيها لخروج سهمها، وذلك بعد نزول آية الحجاب، ولما قفل من غزوتة ودنا من المدينة قالت عائشة عند ما آذن أي أعلم بالرحيل مشيت حتى جاوزت الجيش فقضيت حاجتي ورجعت، التمست صدري فإذا العقد مقطوع، فرجعت ألتمسه، فحبسني ابتغاؤه، واحتمل الرّهط هودجي ورحلوه على بعيري يحسبون أني فيه، وساروا فوجدت عقدي ورجعت فعدت إلى منزلي الذي كنت فيه وقعدت لظني أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي، فغلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السّهي قد عرّس أي نزل آخر اللّيل وراء الجيش فادّلج بالتشديد بالدال وهو السّير آخر اللّيل والدّلجة بضم الدّال وفتحه السير أول اللّيل وبالتخفيف السّير كلّ اللّيل أو آخره راجع الآية 46 من سورة الرحمن المارة فأصبح عند منزلي، فعرفني لأنه كان يراني قبل نزول الحجاب فاستيقظت على استرجاعه أي قوله حين رآها متأثرا من نسيانهم إياها إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فخمّرت وجهي بجلبابي، فأناخ راحلته ووطئ على يدها، فركبتها وانطلقت بي الرّاحلة حتى أتينا الجيش، وو اللّه لم يكلمني، ولا سمعت منه غير استرجاعه، فهلك من هلك في شأني، ولما قدمنا المدينة اشتكيت أي مرضت والنّاس يفيضون بالإفك فيّ من حيث لا أشعر، وقد رابني أني لا أرى اللّطف الذي كنت أراه من النّبي صلّى اللّه عليه وسلم، فلمّا نقهت أي شفيت خرجت وأم مسطح ليلا إلى المتبرز محل قضاء الحاجة قبل اتخاذ الكنف، فعثرت في مرطها، فقالت تعس مسطح، فقلت أتسبين رجلا شهد بدرا، فقالت أولم تسمعي ما قال؟
قلت وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا، واستأذنت رسول اللّه أن آتي أبوي، فأذن لي، فقلت لأمي ماذا يتحدث النّاس؟ فقالت هوني على نفسك، فو اللّه لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، قلت سبحان اللّه ويتحدث النّاس فيه، فبكيت اللّيل كله، ثم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم دعا عليا وأسامة يستشيرهما، فقال أسامة لا نعلم واللّه إلّا خيرا، وقال علي غير مقالته الأولى لما رأى الرّسول قد أجهده الأمر، ولم ينزل عليه وحي من اللّه بذلك لم يضيق اللّه عليك يا رسول اللّه والنّساء غيرها كثير واسأل جاريتها فاستدعاها، وقال لها أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت لا والذي بعثك بالحق، ثم استدعى زينب بنت جحش وكانت تساميني من أزواجه فسألها فقالت يا رسول اللّه أحمي سمعي وبصري واللّه ما علمت عليها إلّا خيرا، فعصمها اللّه بالدرع وهذه المقالة من علي كرم اللّه وجهه لما بلغت عائشه رضي اللّه عنها، أغاظتها وصارت منذ ذلك اليوم لم تسم عليا باسمه بل تقول جاء النّبي ورجل وذهب ورجل قالت ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرفأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوما حتى ظنّا أن البكاء فالق كبدي، فدخل رسول اللّه وجلس عندي وكان لم يجلس من يوم قيل ما قيل، فقال يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللّه، وإن ألمت بذنب فتوبي إلى اللّه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب اللّه عليه فقلص أي انقطع دمعي حتى ما أحس منه بقطرة، فقلت لأبي أجب رسول اللّه، فقال واللّه ما أدري ما أقول، فقلت لأمي أجيبي رسول اللّه قالت واللّه ما أدري ما أقول، فقلت لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به النّاس حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فئمن قلت إني بريئة واللّه يعلم إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر واللّه يعلم إني بريئة منه لتصدقني فو اللّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون، ثم تحولت واضطجعت على فراشي وظننت بأن الرّسول سيرى رؤيا ببراءتي لا أن ينزل اللّه فيّ قرآنا، لأني أحقر من أن يتكلم اللّه فيّ قالت واللّه مارام رسول اللّه مجلسه ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل اللّه هذه الآيات، فقال أبشري يا عائشة أما اللّه فقد براك، فقالت أمي قومي إلى رسول اللّه أي لتقدم لحضرته الشّكر اللائق بمقامه تجاه بشارته لها فقلت واللّه لا أقوم ولا أحمد إلّا اللّه الذي أنزل براءتي، وقالت أن الرّجل الذي قيل له ما قيل يعني صفوان بقول سبحان اللّه فو الذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أي ستر أنثى قط، ثم قتل في سبيل اللّه.
ومن قوة دينها رضي اللّه عنها أنها كانت تكره أن يسب حسان بحضرتها مع أنه من أهل الإفك ولقوله رحمه اللّه في ذلك:
هجرت محمدا وأجبت عنه ** وعند اللّه في ذلك جزاء

فإن أبي ووالدتي وعرضي ** لعرض محمد منكم فداء

وفي رواية وقاد:
أتشتمه ولست له بكفء ** فشركما لخيركما الجزاء الفداء

لساني صارم لا عيب فيه ** وبحري لا تكدره الدّلاء

وقد اعتذر عما وقع منه في حديث الإفك الذي نقله الملعون ابن سلول، وقال رضي اللّه عنه فيها:
حصان ما تزنّ تتهم بريبة ** وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

أي جائعة لا تغتاب أحدا أبدا.
حليلة خير النّاس دنيا ومنصبا ** نبيّ الهدى ذي المكرمات الفواضل

عقيلة حي من لؤى بن غالب ** كرام المساعي مجدهم غير زائل

مهذبة قد طيب اللّه خيمها ** وطهرها من كلّ سوء وباطل

فإن كنت قد قلت الذي قد ** زعموا فلا رفعت سوطي إلي الأنامل

وكيف وودي ماحيبت ونعرتي ** لآل رسول اللّه زين المحافل

له رتب عال على النّاس ** كلهم تقاصرت عنه سورة المتطاول

فإن الذي قد قيل ليس بلائط ** ولكنه قول امرئ لي ماحل

.مطلب آداب الدّخول على الدّور وطوق الباب والدّخول بلا أذى والوقوف أمام باب الدّار وحومة النّظر إلى من فيها:

هذا إنهاء قصة الإفك ذكر اللّه شيئا من تأديبه إلى خلقه للمناسبة فقال أولا {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} تستأذنوا، وأصل الاستئناس الاستعلام والاستكشاف، أي حتى تعلموا أيؤذن لكم أم لا، وطريقة الاستئذان بالدخول لدار الغير تكون بما هو متعارف بالبلدة من الألفاظ كالكلام والتسبيح والتكبير والتحميد والتصفيق والتنحنح وطرق الباب {وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها} بعد الاستئذان {ذلِكُمْ} الاستئذان قبل الدّخول والتسليم بعده {خَيْرٌ لَكُمْ} من أن تتهجموا البيوت بغتة على حين غرة من أهلها، ولا تدروا ما يصادفكم من القبول أو الرّد إذا دخلتم حال غفلة أهلها، فانتبهوا لهذا {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} هذه الآداب فتنقيّدون بها وتعلمونها غيركم {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَدًا} يأذن لكم كأن يكون فيها امرأة شابة لأنها لا تأذن عادة بالدخول للبيت الذي هي فيه إذا كانت وحدها أو تكون خالية من أهلها {فَلا تَدْخُلُوها} لما في الدّخول من الرّيبة والتهمة في المرأة أو مظنة السّرقة أو الاطلاع على ما في البيت، ولهذا فاحذروا من الدّخول {حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} من قبل من يملك الاستئذان والأذن من الخدم وأصحاب الدّار لا غيرهم، ولو فرض أن الشّابة الموجودة وحدها أذنت له فلا يجوز له الدّخول عليها خشية الفتنة أو تقول النّاس فيما لا يرضى، وكذلك لا يدخل بمطلق اذن العبد والجارية والصّغير حتى يستأذنا من أسيادهما وأهله لأنهم لا يملكون حق الأمر بالدخول، والصّغير والصّغيرة لا يعقلان ولا يعرفان المحاذير الناشئة عنه، وعلى هذا فليس لأحد الدخول إلّا إذا تحقق صدور الإذن من أهل القول في البيت، فلعله إذا دخل على اذن من لا يملك الإذن يلاقي ما لا يحب أو ما يكره من أهل البيت من وجود معذرة أو أمر ما، ولهذا قال تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} حالا ولا تقفوا ولا تتفجروا أو تغتاظوا أو تغتضبوا.